تتميز اللغة العربية بظاهرة الازدواج اللغوي (diglossia) وهو أن تتكون اللغة من مستويين: الأول اللغة العربية الفصحى والثاني اللهجة المحكية أو ما يعرف باللهجة العامِّية. الازدواج اللغوي هو ظاهرة اجتماعية لغوية يستخدم فيها المتحدثون نموذجين مختلفين للغة نفسها في ظروف مختلفة، فمثلاً تستخدم اللغة العربية الفصحى بشكل رسمي في القراءة والتعليم، والخطابات والأدب والشعر وغيرها من الأمور الرسمية، على عكس اللهجة العامية أو المحكية التي تستخدم في حياتنا اليومية بشكل عفوي وتختلف باختلاف المناطق والبلدان العربية. تتميز اللهجات العربية بخصائص نحوية وصرفية وفونولوجية مختلفة عن بعضها البعض وعن اللغة العربية الفصحى. فهل لازدواج اللغة أثر في اكتساب المهارات اللغوية وتعلم القراءة والكتابة لدى الأطفال؟
هدفت هذه الدراسة لوصف مهارة الاستماع وفهم اللغة عند الأطفال المتحدثين باللغة العربية في عمر ما قبل المدرسة وفحص أثر الازدواج اللغوي على تلك المهارات اللغوية. تركزت الدراسة على الأسئلة البحثية التالية:
كيف تتطور مهارة الاستماع وفهم اللغة للنصوص المقروءة باللغة العربية الفصحى واللهجة العامية "الفلسطينية"؟
إلى أي مدى يختلف تطور مهارة الاستماع وفهم اللغة بين الأطفال ذوي التطور الطبيعي مقارنة بالأطفال المصابين باضطراب اللغة النمائي؟
منهجية البحث:
شملت الدراسة على ٣٢٨ (١٤٠ إناث و ١٨٨ ذكور) طفل متحدث باللغة العربية "اللهجة الفلسطينية" من بينهم ٢١٠ طفل ذو تطور لغة طبيعي و ١١٨ طفل ذو اضطراب اللغة النمائي موزعين على ٣ مجموعات:
المجموعة الأولى: وشملت ١٠٧ طفل من KG1 وكان متوسط أعمارهم ٣سنوات و٤ أشهر
المجموعة الثانية: وشملت ١١١ طفل من KG2 وكان متوسط أعمارهم ٤ سنوات و٤ أشهر
المجموعة الثالثة: وشملت ١١٠ طفل من KG3 وكان متوسط أعمارهم ٥ سنوات و٥ أشهر.
أدوات البحث:
اختبار مهارة الاستماع وفهم اللغة: وتم ذلك عن طريق قراءة نصّين مختلفين للأطفال مرة باللغة العربية الفصحى والأخرى باللهجة الفلسطينية، ومن ثم طُلِب من الأطفال الإجابة على ١٥ سؤالاً عن تلك القصص.
نتائج البحث:
وجدت الدراسة النتائج الآتية:
أداء جميع الأطفال كان أفضل في مهارة الاستماع وفهم اللغة للنصوص المقروءة باللهجة العامِّية مقارنةً بالنصوص المقروءة باللغة العربية الفصحى. وهذا لأن الأطفال عادة يكتسبون المهارات اللغوية المحكية بلهجتهم قبل اللغة العربية الفصحى التي يبدأ التعرض لها وتعلّمها في مرحلة المدرسة.
هناك علاقة قوية بين مهارة الاستماع وفهم اللغة للنصوص المقروءة باللهجة العامِّية والنصوص المقروءة باللغة العربية الفصحى، وقد يشير ذلك إلى اعتماد الأطفال على مهاراتهم اللغوية باللهجة العامِّية لفهم اللغة العربية الفصحى.
بالنسبة للأطفال ذوي اضطراب اللغة النمائي، كان أداؤهم أضعف في مهارة الاستماع وفهم اللغة للنصوص المقروءة باللهجة العامِّية والفصحى مقارنة بأطفال ذوي التطور الطبيعي. وقد يُنسب هذا الأداء المنخفض إلى ضعف المهارات اللغوية لدى أطفال ذوي الاضطراب اللغة النمائي حيث يحتاجون لبذل جهد ذهني كبير لمعالجة العناصر اللغوية الأساسية كمعاني الكلمات وفهم القواعد والنحو أثناء استماعهم للنصوص المقروءة مما يترك لهم مصادر ذهنية أقل للاستنباط والتفكير المنطقي وهو ما يعرف بالمهارات اللغوية العليا.
مهارة الاستماع والفهم للنصوص المقروءة تتطور للأطفال ذوي التطور اللغوي الطبيعي وذوي اضطراب اللغة النمائي خلال المستويات الثلاث لمرحلة ما قبل المدرسة (الروضة) ولكن بمعدلات مختلفة، حيث أظهر أطفال ذوي اضطراب اللغة النمائي تحسناً ملحوظاً من المستوى الأول للثاني و قد يعود ذلك إلى أن هؤلاء الأطفال يدخلون الروضة بمستوى مهارات لغوية منخفضة و التي تتحسن بشكل كبير في عامهم الأول في نظام التربية الخاصة.
الفارق بين أداء الأطفال في اختبار الاستماع والفهم بين النصوص المقروءة بالفصحى والعامِّية أقل في المستوى الأخير فقط للأطفال ذوي التطور اللغوي الطبيعي مِمّا يشير إلى الصعوبات التي يواجهها الأطفال ذوي اضطراب اللغة النمائي في اكتساب مهارات القراءة والكتابة.
تبين نتائج هذه الدراسة وجود صعوبة في مهارة الاستماع وفهم النصوص المقروءة بالفصحى والعامِّية لدى الأطفال ذوي اضطراب اللغة النمائي مقارنة مع أقرانهم ذوي التطور اللغوي الطبيعي. لذلك من المهم العمل على تقوية هذه المهارات في مرحلة ما قبل المدرسة لدعم التطور الأكاديمي عند هذه الفئة.
المرجع:
Asadi, I.A., Khateb, A., Mansour-Adwan, J. et al. When Developmental Language Disorder Meets Diglossia: A Cross-Sectional Investigation of Listening Comprehension Among Native Arabic-Speaking Preschoolers. J Psycholinguist Res51, 1083–1099 (2022). https://doi.org/10.1007/s10936-022-09885-5
Comentários